كان سعر الذهب نجمًا ساطعًا في سوق السلع مؤخرًا، فبعد انهياره إلى أدني مستوياته في عامين ونصف في عام 2022 عند 1615 دولار، ارتفع سعره إلى 1960 دولار في يناير 2023 وهو ما يعادل ربحًا بنسبة 20%، وهذا يعني أن الذهب قد تحول إلى أول سوق صاعد منذ عام 2021، كما قفزت المعادن الأخرى مثل الفضة والبلاديوم في هذه الفترة.
ولكن سرعان ما تأثر سعر تداول الذهب بشدة ببيانات التضخم وتوقعات رفع أسعار الفائدة، فبعد أن بدأ العام بارتفاع قوي توقف عن الصعود مع صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر يناير في فبراير، ومنذ ذلك الحين، قام الذهب بالتصحيح وفقد جميع مكاسبه منذ بداية العام وحتى 8 مارس، يتم تداول سعر الذهب الآن دون افتتاحه في عام 2023، ومن المتوقع حدوث مزيد من التقلبات في الأيام المقبلة.
محتويات
الذهب ينخفض مع ارتفاع تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي
بعد أن ظلت سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي حذرة لبضعة أشهر، تحول البنك إلى موقف متشدد في فبراير مرة أخرى، أولاً، رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بعد اجتماعه الأول لهذا العام، ثانيًا، أظهر تقرير مؤشر أسعار المستهلكين أن التضخم أصبح ثابتًا ولم ينخفض كما هو متوقع، ثالثًا، جاء معدل التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي 4.7% مقابل التوقعات عند 4.3%.
وبالتالي، توقع الخبراء لدي بنك جولدمان ساكس بقيام البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة 3 مرات أخرى خلال هذا العام بواقع 25 نقطة أساس لكل منهما، وقد أثر ذلك سلبًا على سوق الأسهم حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أقل من المستوى 4000 نقطة بعد البداية الصعودية التي حققها مع بداية العام، كما عكس الذهب أيضًا اتجاهاته الصعودية ليتراجع فوق مستوي الدعم النفسي 1800 دولار للأونصة بقليل مع نهاية شهر فبراير.
تحول لهجة البنك الاحتياطي الفيدرالي
في الآونة الأخيرة، ظهر رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” أمام المشرعين الأمريكيين في اللجنة المصرفية للكونغرس، في شهادته أدلى “جيروم باول” بالكثير من التعليقات المتشددة والتي أرسلت موجة من الذعر في الأسواق التقليدية، أخبر باول الكونجرس أن بيانات التضخم لشهر يناير كانت غير متوقعة تمامًا وقد يتعين على البنك الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ إجراءات أقوى بكثير لترويض التضخم.
وذكر أيضًا أن أسعار الفائدة ستحتاج إلى زيادة أعلى بكثير من التوقعات السابقة، وبالتالي، فإن أسعار الذهب وأسعار الأصول الأخرى عادت لحالة الركود مرة أخرى، حيث ينتظر المستثمرون بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر فبراير.
سبب آخر للحركة السعرية السلبية في الذهب هو الارتفاع الأخير في مؤشر الدولار، وهذا يدل على قوة الدولار الأمريكي مقابل العملات الورقية الرئيسية الأخرى، ونظرًا لأن سعر الذهب ومؤشر الدولار يرتبطان عكسيًا، فبمجرد أن يظهر الدولار علامات الضعف يمكننا توقع ارتفاع آخر للذهب.
في الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي تم عقده في فبراير 2023، رفع البنك أسعار الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، كانت هذه التحركات ايجابية للغاية بالنسبة لأسواق الأسهم والذهب، حيث استمر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر ناسداك في اتجاههم الصعودي، بينما تراجع الذهب من سعر 1962 دولار ليتداول الآن عند 1825 دولار.
يقول أحد محللي السوق أن المحرك الرئيسي للذهب في الوقت الحالي ستكون نتائج اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي المقرر عقده في مارس الجاري، حيث من المتوقع أن تناقش اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح الأوضاع الاقتصادية الحالية ومستويات التضخم ثم ستتخذ القرار بناءً على ذلك، يعتقد الخبراء أن الاحتياطي الفيدرالي سيقوم برفع سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس، ومن المحتمل أن يكون متشددًا في لهجته مما يزيد من احتمالات ارتفاعات أخري لهذا العام علي عكس ما كان متوقعًا في نهاية عام 2022، الأمر الذي سيكون له أثر سلبي على الأسهم وأسعار الأصول الأخرى.
كما كان الحال في عام 2021 اختلطت علاقة الذهب بالتضخم، في عام 2023 من المرجح أن يستمر الاتجاه حيث تستمر الضغوط التضخمية في تعزيز المعدن الثمين، ومع ذلك، فإن بيئة ارتفاع أسعار الفائدة قد تحد من إمكاناتها الصعودية.
العوامل الجيوسياسية
في حين أن محادثات الركود التي زادت في نهاية عام 2022، فإن العام الجديد غٌير هذا المنظور نسبيًا، ففي يناير قام صندوق النقد الدولي بترقية النظرة الاقتصادية العالمية إلى نمو متوقع بنسبة 2.9 % للاقتصاد العالمي في عام 2023، مما أدى إلى تخفيف المخاوف من الغطس العالمي في الركود هذا العام، وتأتي هذه الأخبار في الوقت الذي خففت فيها الصين من قيود صفر كوفيد وتفتح ببطء اقتصادها، والذي من المتوقع أن ينمو 5.2 % هذا العام، بالإضافة إلى ذلك، أدت جهود البنوك المركزية لمكافحة التضخم إلى توقعات أكثر تفاؤلاً للمكان الذي قد يصل فيه التضخم العالمي.
على الرغم من أنه يمكن القول أنه إذا استمرت الظروف في التحسن في هذا الصدد، فمن المحتمل أن يكون هناك حد أدنى من الحركة في التسعير نتيجة لذلك، تجدر الإشارة إلى عدم اليقين الكبير الذي يزعج هذا التقييم خاصة مع استمرار الحرب في أوكرانيا، طالما أن عدم القدرة على التنبؤ بالكثير فإن المستثمرين سيكونون حذرين من وضع رهانات جريئة وسيظل الذهب مطلوبًا كاستثمار مالي آمن.
يستعد الذهب لمواصلة الاستثمار المعتدل في العام المقبل، حيث يوفر ملجأ من التضخم وعدم الاستقرار السياسي والانكماش في سوق الأوراق المالية، من المتوقع أن يتميز النصف الأول من عام 2023 بالغموض المالي حيث سيكون تحت تأثير كبير من أزمة سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم والتضخم وأسواق السلع، ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون هناك اهتمام مستمر بالذهب بين المستثمرين الذين يسعون إلى استعادة التوازن إلى محافظهم والاستعداد لأي اضطرابات مالية مستقبلية.
كيف تستثمر في الذهب؟
من الطرق الفعالة للاستثمار في الذهب شراء السبائك، قد تكون في شكل عملات معدنية أو قضبان، مصدق عليها بالنقاء والوزن، ومع ذلك، غالبًا ما تقود الأسباب الأمنية بعض المستثمرين إلى تبني مسار العقود الآجلة والخيارات.
أسهم شركات الذهب
من أفضل طرق الاستثمار في الذهب من خلال الأسهم، في السنوات القليلة الماضية أدت عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع إلى اندماج كبير في هذا القطاع، اليوم عدد قليل من الشركات الكبيرة تهيمن على الصناعة، يمكن للمستثمر التفكير في شراء أسهم شركات تعدين الذهب، في حين أن سعر السهم عادة ما يكون مرتبطًا بسعر الذهب فإن أساسيات الشركة مؤثرة أيضًا.
عقود الذهب الآجلة
العقود الآجلة هي عقد يوافق فيه المستثمر على شراء أو بيع الأصل المالي بالسعر المتفق عليه قبل انتهاء مدة العقد، بالنسبة للخيارات لدى المستثمر فرصة وليس التزامًا بشراء أو بيع الأداة الأساسية طالما أن العقد ساري المفعول، للاستثمار في الذهب عبر العقود الآجلة والخيارات يحتاج المتداول إلى حساب مع وسيط مالي حسن السمعة، من الممكن تداول الذهب مقابل عمولة من خلال حساب الوساطة.
صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب
تعتبر صناديق الاستثمار المتداولة والصناديق المشتركة طريقة أخرى قابلة للتطبيق للاستثمار في الذهب، تمثل حصة هذه الأداة المالية كمية محددة من الذهب، يحتاج المستثمر إلى حساب وساطة للتداول في صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب أو الصناديق المشتركة، كما هو الحال في العقود الآجلة والخيارات، من أكثر صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب شيوعًا iShares Gold Trust و SPDR Gold Trust، تميل هذه الصناديق إلى التحرك بالتزامن مع أسعار الذهب.